كتب محسن محمد
في زمنٍ كان العشاء يجمعنا، صرنا اليوم نأكل على عجل، كلٌّ في زاويته، وكلٌّ منشغل بشاشته. في الماضي، كانت المائدة مساحة للحكايات، والضحك، والتوبيخ أحيانًا، والمصالحة أحيانًا أخرى. أما اليوم، فقد تحوّلت إلى لحظة عابرة، قد يُشارك فيها الطعام، لكن لا تُشارك فيها الأرواح.
العائلة، كما عرفناها، باتت "أونلاين". الأم تتابع وصفات الطعام عبر "إنستغرام"، الأب يتابع الأخبار، الأطفال يتنقّلون بين الألعاب والتطبيقات. الجسد حاضر، لكن الحضور الحقيقي غائب. كل فرد يعيش في فقاعته الرقمية، ولا أحد يسأل: من كسر هذا الرابط المقدّس بيننا؟
لم نعد نعرف عن بعضنا سوى ما تنشره التطبيقات. لم نعد نسمع صوت الحكايات الحقيقية، ولا نشم رائحة الهموم قبل أن تُنشر في حالة "واتساب". التواصل أصبح سريعًا، لكنه سطحي. الحضور أصبح دائمًا، لكنه فارغ.
جيل كامل ينشأ دون أن يعرف دفء الأحاديث العائلية. لا يتذوق لذة الجدال مع أبيه، أو ضحكة أمه، أو حكاية أخيه عن يومه في المدرسة. وإذا استمرّ الأمر كذلك، فمتى سنكتشف أننا فقدنا أنفسنا، وفقدنا بعضنا، ونحن نظن أننا متصلون دائمًا؟
أيها الآباء، أيها الأمهات،
اجعلوا العشاء مقدّسًا كما كان. أطفئوا الشاشات، واسألوا عن اليوم كيف مضى. اسمعوا تلك الحكاية التي يرويها الطفل للمرة العاشرة، وابتسموا. اصنعوا ذاكرة، فهذه اللحظات الصغيرة هي التي تبني العائلة.
البيت ليس جدرانًا فقط، بل روابط. وإذا لم نعد نلتقي إلا عبر شبكة الإنترنت، فلن تبقى تلك الروابط سوى إشعارات مؤقتة… تختفي كما جاءت.
إرسال تعليق