كتب صابر الاسمر
في أحد أحياء غزة التي دمرتها الحرب، حيث الأنقاض تعلو وال هوخراب يملأ الأفق، تقف الفنانة التشكيلية الفلسطينية سناء أمام جدران منزلها الذي دمرته قذائف الحرب. ورغم كل الصعوبات، لم تسمح لهذه الظروف القاسية أن تسرق منها حبها لفنها. ففي زوايا منزلها المدمر، حيث يختلط التراب بالذكريات، تُواصل سناء رسم لوحاتها، متخذة من الركام مصدر إلهام، ومن الأنقاض أداة تعبير جديدة.
"الفن هو الطريقة التي أعيش بها رغم كل ما أراه من معاناة. في كل قطعة دمار هناك قصة يجب أن تُحكى" تقول سناء، وهي تضع فرشاتها على لوحتها البيضاء. بدأ حبها للرسم منذ الطفولة، إلا أن الأحداث السياسية والاقتصادية في غزة جعلت من ممارسة فنها تحدياً أكبر. ومع اندلاع الحروب المتتالية، أصبحت الحياة أكثر صعوبة، لكن بالنسبة لسناء، كان الفن هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ألمها، ومقاومة الواقع المُر.
وفي قلب بيتها المدمّر، قد تظن لأول وهلة أنه لا مكان للفن في هذه الفوضى، إلا أن سناء تبث روحاً جديدة في المكان، حيث تحوّل الخراب إلى لغة بصرية. لا تقتصر لوحاتها على الألوان والفرشاة فقط، بل تجد فيها رموزاً ومعانٍ عميقة تعكس معاناة شعبها، مثل صورة الأم التي تحمل طفلها وسط الدمار، أو شجرة الزيتون التي تصارع للبقاء رغم قطع جذورها.
وقالت سناء إن دمار منزلها دفعها للبحث عن طرق جديدة للتعبير عن الألم الجماعي الذي يشعر به سكان غزة: "أصبح المكان المدمّر جزءاً من عملي الفني، ليس فقط كخلفية، بل كعنصر في الرسالة التي أريد إيصالها. هذه الخراب ليس مجرد دمار، بل هو جزء من معركة أوسع."
ورغم انقطاع الكهرباء وصعوبة الحصول على المواد اللازمة للرسم، لم تستسلم سناء، بل استخدمت وسائل بديلة وابتكرت أفكاراً جديدة، مما جعل من هذا التحدي مصدر قوة لها. كان للدمار دور مهم في تبلور هويتها الفنية، فأصبحت أعمالها تتميز بالاستفادة من المواد المتاحة، مثل الزجاج المحطم، ورق الجرائد، وأدوات أخرى نُقِلت من البيئة المحيطة بها.
أما بالنسبة لجمهورها، فقد كانت لوحات سناء بمثابة مرآة لواقعهم المُر، فكل لوحة حملت رسالة عن الأمل والتحدي، ورغم كل شيء، ترى سناء أن الفن يحمل في طياته روح المقاومة. "من خلال الفن، يمكننا أن نبني، نروي، ونحيا من جديد"، كما تقول.
إن إصرار سناء على مواصلة ممارسة فنها وسط الركام ليس مجرد شهادة على قوة الإرادة، بل هو رمزٌ حيٌ للتحدي والإبداع في ظل الظروف التي يعجز البعض عن تحملها.
إرسال تعليق